تبهرنا غزة مجددًا في قدرتها على الحياة والصمود رغم الموت والحصار المطبق بيد الشقيق قبل العدو, في نفس الوقت تشعرنا غزة بالخجل والعار وكم نحن صغار ومتهاونون ومتخاذلون أمام عظمتها التي أصبحت حديث الشرفاء والمناضلين وطلاب الحق عبر الكرة الأرضية، أولئك الذين لا يضعون شروطًاً عليها وهي تجوع وترفض في نفس الوقت أن تأكل بثديها.
يمنعون عنها الدواء والطبابة فيئن مرضاها ويتوجعون بأنفة, ويرقون شهداء بصمت رصين وهدوء يحطم القلوب ويثير الغضب, يقولون لهم اصبروا إن هناك اتفاقات تحكم فتح المعابر ودول خلف المحيطات تعترض على ذلك، وإغلاقها فيه مصلحة لكم أيها الصابرون!... لا تقلقوا أحبائي الموجوعين في غزة, نحن ببساطة شديدة نعلم أنهم يكذبون, ونعلم أنهم جميعًا أصدروا حكم اعتقال جماعي ضدكم في "غيتو" غزة...بل في قلعة غزة.
يمنعون عن غزة الغذاء فتستخرج قوتها من باطن الأرض عبر الأنفاق ، بربكم هل شاهدتم يوماً عجولاً وأغناما للعيد تخرج من باطن الأرض في أرض غير أرض غزة؟ هل سمعتم يومًا عن ألعاب للأطفال تشق طريقها عبر الصحراء في اتجاه غزة لتعبر الأنفاق معفرة بالرمل والتراب لترسم الفرحة على وجوه أطفالها على أبواب العيد؟ ولتضفي بعض السعادة على أيام أطفال غزة المحرومين من عودة الأب محملاً بالهدايا والحلوى التي تخلو منها الأسواق, للأسف ألعابكم لم تصل يا أطفال غزة.
يقف شيخ جليل من أهل غزة أمام محطة لتوزيع الأغذية على اللاجئين وعيناه تغالبها الدموع, ووجهه يكشف عن بعض جوع قائلاً ببساطة وعفوية تخترق النفس الكريمة: نريد فقط أن نأكل! في القدس المحتلة وفي نيويورك حيث الأمم المتحدة توزع الابتسامات, وتلتقط الصور التذكارية, وتمد الولائم العامرة لتجار الدماء ومجرمي الحروب, وأنت أيها الشيخ تعاني بدايات الجوع! لله درك أيها الشيخ الجليل في غزة, يتحاورون ويعدون العالم بسلام الشعوب والأديان, وأنت تشتكي الجوع وتنام دون عشاء وتشرب المياه المالحة!!, اطمئن أيها الشيخ الوقور نحن فعلاً لا نصدقهم.
امرأة غزية تشتكي نقص الكهرباء والوقود والحطب, وتذوي حزنًا وخجلاً لأنها لا تستطيع إعداد الطعام لعائلتها كباقي نساء الأرض! يبعثون الأولاد ليجمعوا قصاصات الكرتون لعلهم ينجحون في إعداد كأس من الشاي, أو بعض الطعام الساخن, وغزة محرومة من خزانها الهائل من الغاز الطبيعي الكامن تحت بحرها، وفوق ذلك تتلافاها أنابيب غاز الشقيق الذي يمد شريك "السلام" به مجانًا ليصنع حضارة وليقي مستوطنيه برد الشتاء وعتمة الليل, يقولون أنهم حريصون عليك وعلى مستقبل أولادك وتلاحمهم!.. اطمئني أيتها الماجدة الغزية نحن ببساطة لا نصدقهم.
نخجل أن نقول لكم –لأنكم أفضل من يعلم- أن من يسخرون من أنفاقكم لم يقرءوا التاريخ جيدًا, نخجل أن نقول لكم وأنتم العارفون أن أنفاق "الفيتكونغ" في غابات فيتنام تعتبر من أهم المعالم السياحية في ذلك البلد, يقصدها السائحون من جميع أنحاء الأرض؛ ليتعرفوا على عظمة مقاومة وصبر ذلك الشعب البطل في مقاومة الاحتلال.
نخجل أن نقول لكم إنكم بدأتم مقاومتكم كما الإنسان الأول بقذف الحجارة! نعم بقذف الحجارة البدائية, وبعد عشرين عامًا أصبحتم تطلقون القذائف الصاروخية المصنعة محليًا, وتدفعون الثمن دمًا وجراحًا كما كان حالكم دائما أيام الحجارة, ويطلب عدوكم هدنة معكم, يبدو أن مقذوفاتكم ليست عبثية, ويبدو أنها ورقة رابحة للدفاع عن النفس ولابتزاز التنازلات من عدوكم, ويبدو أنها مع الأسف ورقة لا تجد من يلعبها إلا أنتم يا أبطال غزة وإن غلى الثمن!
فيا أمة العرب شيء من الغضب.
..!!!